عاجل

عبد النبي النديم يكتب: «السلم .. الأسانسير»

عبد النبي النديم
عبد النبي النديم

فارق كبير بين أن تصعد للأعلى على درجات السلم.. وأن تصعد بالأسانسير، فالصعود على السلم كله فوائد، فيعطيك المهارة والقوة واللياقة التى تنعكس على صحتك.. أما الصعود بالأسانسير فيصيبك بالأمراض والسمنة والتكاسل والتواكل فيصيب الجسد بالهزال.
فصعود السلم درجة بعد الأخرى وأنت على يقين كامل بقدراتك، وثقة فى الوصول للهدف بإمكانياتك، فأنت تقف على أرض صلبة، محيط بكل ما يدور حولك، جاهز للتعامل مع الطوارئ وما يعترض طريقك من عقبات، وتتجاوز بخبراتك - التي أجدتها بصعودك السلم - ما يعن لك من مصاعب تعترضك.
من الممكن أن يكون الأسانسير وسيلة لصعود أنصاف المواهب، ولكن لن تكون طريقا للنجاح، فأول عقبة ستقابلك ستظهر معها إمكانياتك الضحلة فى مواجهة المشاكل، وتنهار أمام عدم التوصل للحلول المناسبة، لأنه فى الغالب ليس لدية الموهبة والكفاءة والخبرة فى التعامل والقيادة.
والأخطر الآن أن تكون «نظرية السلم والأسانسير» في مناطق لا تتناسب تماما معها، وهى الموهبة الفطرية، فلن يفلح الأسانسير مع أن تكون شاعر أو روائي أو كاتب، فاذا كان نفوذ الفرد أو علاقاته باستطاعتهم توفير مصدر رزق عن طريق وظيفة أو عمل، فمن الصعب تحقيق هذا النفوذ أو هذه العلاقات أن تعطيك موهبة إبداعية أو فنية.
وللأسف أن إنتشار العديد من أنصاف ومعدومى المواهب فى مجالات الإبداع، التى تصدر وجه غير حقيقى أن معون الإبداع نضب فى مصر بصفة خاصة وفى العالم العربى بصفة عامة، والسبب فى ذلك أنصاف المواهب هو حالة اليأس التى سيطرت على المبدعين من أبناء الوطن، فى وصول إبداعهم عن طريق تبنى مؤسسات الدولة لها، الأمر الذى أدى إلى خروج منتج غير مناسب ويليق بالمبدعين في مختلف المجالات الأبداعية، ولكن ستظل أرض النيل ولادة للمواهب، والرموز فى مختلف الفنون والآداب، وإن أصابتهم بعض حالات اليأس، وأن الغث لا بد من زواله فى يوما ما وتعود الدفة للموهوبين والمبدعين بإتجاة بوصلة الدولة للإهتمام بقوة مصر الناعمة.
وفي سياق الحديث عن هذه النظرية التى استشرت فى مختلف المجالات، حتى وصلت إلى المجالات الإبداعية فى الأدب والفن بمختلف أنواعه، وبما أن «شر البلية ما يضحك»، وتعبر بصدق عن نظرية السلم والأسانسير، نشر صديقي الشاعر الكبير على عمران الذي يلقب بـ«وريث نزار قبانى» بوست على صفحته الشخصية على فيس بوك، قال فيه: «شاعرة كلِّمتني على الخاص وقالتْ لي: إيه رأيك في شعري؟ النقاد أطلقوا عليَّ لقب.. شجرة الدر الشعر العربي.. فقلتُ لها متعجبا: شجرة الدر؟! فقالتْ لي: أيوه.. إنت ما تعرفهاش؟ فقلتُ لها: عارفها طبعا.. مش دي اللي ماتت بضرب القباقيب.. راحت حظراني يا ترى حظرتني ليه؟». 
ما يقوله صديقي العزيز الشاعر على عمران هو ما ينطبق عليه قول «الهم الأكبر»، فالفرد منا يمكن أن يشترى فرصة عمل، أو حتى يصبح صاحب عمل، ولكن لن تكون نظرية السلم والأسانسير مطية لكي يكون مبدعا، فهى فطرة وموهبة حباها الله للبعض، ليستفيد منها الكل، وتعود بالنفع على الوطن، فالأبداع فى الأدب أو الفنون لن يكون بأى طريق بعيدا عن الموهبة، فهى المطية الوحيدة للتميز فى هذا الإبداع.
أما عن طبيعة العمل وممارسة المهام الوظيفية، الموظفين فئة أصحاب السلم يتمتعون بالكفاءة، والحماسة، والإلتزام، والإنتاجية العالية، والأفكار الجديدة والمبتكرة، لكن كل هذه الصفات لن تتحقق إذا كان هؤلاء الموظفين من فئة أصحاب الأسانسير، المفروضين على بعضهم بعضاً، أي بإختيار آخرين ذوي نفوذ لهم في مجالاتهم.
فالأخذ بنظرية السلم والأسانسير يقلل من قيم الولاء والإنتماء، ولا يؤدي إلى التقدم أو الجودة في الإنتاج أو الخدمة، فإهمال الكفاءة والعدالة، يحدث هزة أو زلزال فى أى مجال، وتطاول على الأصول والقوانين والنظم والتعليمات، فيتراجع الولاء والانتماء، وتكون النتيجة بأصحاب الكفاءة والموهبة أن يكونوا غرباء في الوطن.. مستبعدون من الاختيار والعدالة مع أنهم قد يكونون الأكفأ والأنسب، فأينما يوجد الأسانسير تجد الفساد، ويكون هو القاعدة، والكفاءة والعدالة هما الاستثناء، فعندما يوجد الفساد.. لا يستطيع أحد مهما كان صالحا أو ملتزماً أن ينجو منه.
وما أشبه الليلة بالبارحة.. فعقب أحداث يناير انتشرت ظاهرة سيطرت على كل المجريات السياسية فى البلاد، وهم فئة «النشطاء السياسيين» وتنوعت مجالاتهم من حقوقيين ومحللين سياسيين ووخبراء فى الحركات الإسلامية وخبراء أمنيين واستراتيجيين .. الخ الألقاب التى كانت أشبه بسلاح يشهره صاحب لقب ناشط سياسي فى وجه من يعترض عليه «أنت متعرفش أنا مين .. أنا ناشط سياسي»، ولأنها ظاهرة غريبة ظهرت فى ظروف استثنائية مرت بالبلاد، وخرجت منها سالمة، كما ظهرت إختفت عندما عادت الأمور لمجرياتها الطبيعية، فقد كانت هذه الظاهرة جزء من الفوضى العارمة التي كانت تحكم حياتنا، فإذا بحثت عن تاريخهم والسيرة الذاتية لمعظمهم ومؤهلاتهم العلمية وخبراتهم تجد السواد الأعظم منهم أشخاص عاديين لا تؤهلهم ثقافتهم أو مؤهلاتهم العلمية للحديث فيما ادعوا انهم خبراء فيه، ولكن كان أسانسير الأحداث التى مرت بمصر كان وسيلة هؤلاء لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية حتى ولو كانت على حساب الوطن.
 وما قام به الرئيس السيسي فور توليه مسئولية البلاد، حرص على أن يتولى القيادة من هم مؤهلون لها، وحرص أن يكون مبنى الوطن بدون أسانسير، ولكن هذا المبني صعد به الرئيس درجة درجة .. من تأهيل للشباب فى مختلف المجالات لإعدادهم لتولى مسئولية القيادة فى مختلف المجالات، وكانت أكاديمية البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، مصنعا عملاقا لتأهيل أبناء مصر لتولى المسئولية، وإطلاق منتدى شباب العالم الذى أبهر الدنيا وضم بين جنباته مختلف أطياف وألوان شباب العالم اجمع، وبالمثل مبادرات لشباب المبدعين فى مختلف أنواع الفنون والآداب، التى تسعى جاهدة لتبني شباب المبدعين، وإطلاق العنان لموهبتهم التى تعد من أهم عناصر القوة المصرية الناعمة.